“البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو”: رحلة إنسانية بين الصراع والبحث عن الذات
قرأت يومًا جملة علقت في ذهني: “أنا أطفو على الحياة، ولا أعيش فيها!”… جملة تحمل في طياتها فلسفة عميقة، وكأنها تعكس حياة بطل فيلم **”البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو”**، الشاب “حسن”، الذي يعيش في عالم يبدو وكأنه يمر به دون أن يعيشه حقًا.
ذهبت إلى السينما وحدي ظهرًا لمشاهدة هذا الفيلم، متوقعًا أن أجد شيئًا مختلفًا، ولم أخيب ظني. الفيلم يحكي قصة “حسن”، شاب بسيط يعيش مع أمه في حي شعبي، ويواجه صراعًا مريرًا مع “كارم”، صاحب البيت الذي يسكن فيه. القصة تبدو بسيطة للوهلة الأولى، لكنها تحمل في طياتها العديد من الطبقات التي تجعلها غير تقليدية.
الأداء التمثيلي: براعة في التعبير الصامت
كان اختيار المخرج الاعتماد على وجه جديد ليكون بطل الفيلم خطوة جريئة، لكن “عصام عمر” أثبت أنه الخيار الصحيح. سبق لعصام أن لفت الأنظار في أعمال مثل “بالطو” و”مسار إجباري”، لكن دوره في هذا الفيلم كان نقلة نوعية في مسيرته. شخصية “حسن” ليست شخصية عادية؛ إنها شخصية هادئة، تكتم مشاعرها، ولا تعبر عن نفسها بسهولة. هنا برع عصام في استخدام لغة الجسد والعينين لنقل المشاعر الداخلية، مما أعطى الشخصية عمقًا كبيرًا.
العلاقة بين حسن وأمه، التي جسدتها الفنانة سما إبراهيم، كانت أيضًا من أبرز عناصر الفيلم. هذه العلاقة لم تكن علاقة أم وابن تقليدية، خاصة مع غياب الأب، مما جعل حسن يتعلق بأمه بشكل خاص. بالإضافة إلى ذلك، كانت علاقة حسن بكلبه “رامبو” عنصرًا مؤثرًا في الفيلم، حيث عبرت عن عزلته العاطفية وطبقته الاجتماعية البسيطة. التفاعل بين عصام والكلب كان صادقًا ومؤثرًا، مما أضاف بعدًا عاطفيًا قويًا للقصة.
الصراع: الذكورية السامة والبحث عن الذات
الصراع بين حسن وكارم، الذي جسده الفنان أحمد بهاء، كان قلب الفيلم النابض. كارم شخصية معقدة، يدفعها مفهومها الخاطئ عن الذكورية إلى ارتكاب الحماقات وتبرير أفعالها. أحمد بهاء قدم أداءً مذهلًا في تجسيد هذه الشخصية التي تعاني من شعور دائم بالنقص، مما يدفعها إلى التصرف بغضب وعنف. هذا الصراع كان المحرك الرئيسي للتغيير الذي حدث في شخصية حسن، الذي تحول من شاب مسالم إلى شخص يرد على العنف بالعنف.
السيناريو: بناء محكم وشخصيات غنية
السيناريو، من تأليف محمد الحسيني، كان عماد الفيلم. تميز السيناريو بصراع متصاعد وعناصر تشويق محكمة، حيث لم يترك للمشاهد فرصة لتخمين ما سيحدث. بناء الشخصيات كان أيضًا من نقاط القوة، حيث كانت تفاصيل شخصية حسن متوافقة تمامًا مع ردود أفعاله والتغيير الذي طرأ عليه.
الخطوط الفرعية في الفيلم، مثل علاقة حسن بأمه، وأبيه الغائب، وعمه، وأسماء، كانت جميعها مكتوبة بعناية، باستثناء علاقة حسن بأسماء، التي لم تكن واضحة بما يكفي. ومع ذلك، فإن تميز السيناريو في الاعتماد على الصورة أكثر من الحوار، واستخدام الحوار لدفع الأحداث إلى الأمام، كان من نقاط القوة التي جعلت الفيلم مميزًا.
الصورة والصوت: تفاصيل تعكس الواقع
عمل المخرج خالد منصور في الأفلام القصيرة أفاده في التركيز على التفاصيل الدقيقة. استخدام المؤثرات الصوتية والأغاني كان مدروسًا بعناية، حيث ساهمت الأصوات الخلفية، مثل صراخ النساء في المشاجرات أو صوت كيس البسكوت في يد كارم، في تعزيز واقعية الفيلم. كما أن اختيار الأغاني، مثل “إيه اللي بيحصل دا” لحكيم و”شجر الليمون” لمحمد منير، كان موفقًا وعبر عن حياة حسن بشكل مميز، مما أضاف لمسة نوستالجية أعجبت الجمهور.
الخلاصة: فيلم يستحق المشاهدة
فيلم “البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو” ليس مجرد فيلم عادي، بل هو عمل فني يجمع بين الأداء التمثيلي المميز، والسيناريو المحكم، والإخراج الذكي. الفيلم يستحق المشاهدة، ليس فقط لعشاق السينما الجادة، ولكن لأي شخص يبحث عن قصة إنسانية عميقة تترك أثرًا في النفس.
المصدر: في الفن